Admin Admin
عدد المساهمات : 372 نقاط : 907 تاريخ التسجيل : 24/09/2009 العمر : 48 الموقع : منتدى الدكتور محمد شوكت الخربوطلى
| موضوع: قِصّة آدم عليه السلام الأحد يناير 10, 2010 8:41 am | |
|
استخلاف آدم ( الإنسان ) « وَإذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إنيّ جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنيّ أعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أنْبِئُوني بِأسْمِاءِ هَؤُلاَء إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أنْبِئْهُمْ بِأسْمِائِهِمْ فَلَمّا أنْبَأَهُمْ بِأسْمِائِهِمْ قَالَ ألَمْ أقُلْ لَكُمْ إنيّ أعْلَمُ غَيْبَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَأعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إ بْلِيسَ أ بَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتُما وَلاَ تَقْرَبَا هذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظّالِمِينَ * فَأزَلّهُمَا الشّيْطَانُ عَنْهَا فَأخْرَجَهُمَا مِمّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلَى حِينٍ * فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعا فَإمّا يَأتِيَنّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالّذِينَ كَفَرُوا وَكَذّبُوا بِآيَاتِنَا اُوْلَئِكَ أصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(١)
هذه الآيات العشر تتحدّث عن قضية استخلاف اللّه ـ سبحانه ـ لآدم على الأرض ، وقضية الاستخلاف تشتمل على جانبين وفصلين :
الفصل الأوّل منهما يتناول معنى الاستخلاف والحكمة والعلة فيه ، وهذا الجانب من قِصّة آدم يكاد ينحصر ذكره والحديث عنه في القرآن الكريم بهذا المقطع القرآني فقط (٢) ، وإن كان من الممكن أن تكون جميع آيات الاستخلاف مؤكّدة هذا المقطع وإن لم تكن بهذا الوضوح .
والفصل الثاني يتناول العملية التي تمّ بها انجاز هذا الاستخلاف ، وهذا الجانب تحدّث عنه القرآن في مواضع متعددة لا بدّ من دراستها بشكل عام .
- الكود:
-
(١) البقرة : ٣٠ ـ ٣٩ . (٢) بالاضافة إلى بعض الاشارات الأخرى مثل قوله تعالى : « إنّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَهَا وَأشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إنّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً » الأحزاب : ٧٢ ، وأيضا قوله تعالى : « وَهُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إنّ رَبّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإنّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ » الأنعام : ١٦٥ ، وكذلك فاطر : ٣٩ ، وأيضا الزخرف : ٦٠ ، وغيرها .
الحكمة في استخلاف آدم وما يعنينا من دراسته في هذا الفصل من هذا المقطع القرآني الشريف هو : الآياتالأربع الاُولى، والبحث فيها ، وما تضمّنته من معلومات ومفاهيم له جانبان :
الجانب الأوّل : تحديد الموقف العام تجاه دراسة هذا المقطع القرآني ، وتصوير ما يعنيه القرآن الكريم منه .
الجانب الثاني : تحديد الموقف القرآني والاسلامي تجاه بعض المفاهيم التي جاءت في المقطع بالشكل الذي ينسجم مع المسلمات القرآنية ، والظهور اللفظي لهذا المقطع بالخصوص .
وفيما يتعلق بالجانب الأوّل نجد الشيخ محمّد عبدة تبعا لبعض الدارسين المتقدمين يذكر رأيين مختلفين بحسب الشكل وإن كانا يتفقان في النهاية حسب ما يقول .
الرأي الأوّل : هو الذي سار عليه السلف واختاره الشيخ محمّد عبدة نفسه أيضا ، حيث يقول : « وأمّا ذلك الحوار في الآيات فهو : شأن من شؤون اللّه مع ملائكته ، صوّره لنا في هذه الفصول بالقول والمراجعة والسؤال والجواب ، ونحن لا نعرف حقيقة ذلك القول ، ولكنّنا نعلم أ نّه ليس كما يكون منا ، وأنّ هناك معاني قُصِدت إفادتها بهذه العبارات ، وهي : عبارة عن شأن من شؤونه ـ تعالى ـ قبل خلق آدم ، وأ نّه كان يعدّ له الكون ، وشأن مع الملائكة يتعلق بخلق نوع الإنسان ، وشأن آخر في بيان كرامة هذا النوع وفضله »(١) .
- الكود:
-
(١) المنار ١ : ٢٥٤ . والرأي الثاني : الرأي الذي سار عليه الخلف من المحقّقين وعلماء الإسلام الذين بذلوا جهدهم في دراسة القرآن والتعرف على مقاصده ، حيث يرون أنّ هذه القِصّة بمواقفها المختلفة إنّما جاءت على شكل التمثيل ومحاولة تقريب النشأة الآدمية الإنسانية وأهميتها وفضيلتها، وأنّ جميع المواقف والمفاهيم التي جاءت فيها يمكن تحديد المعاني والأهداف التي قصدت منها .
فالرأي الأوّل والثاني وإن كانا يلتقيان في حقيقة تنزيه اللّه ـ سبحانه وتعالى وعالم الغيب ـ عن مشابهة المخلوقات المادية المحسوسة في هذه المواقف المختلفة ، وكادا يتفقان ـ أيضا ـ في الأهداف والغايات العامّة المقصودة من هذا المقطع القرآني ، ولكنّهما مع ذلك يختلفان في إمكانية تحديد بعض المفاهيم التي وردت في المقطع ، كما سوف يتضح ذلك عند معالجتنا للمقطع القرآني من جانبه الآخر .
وفيما يتعلق بالجانب الثاني نجد السلف انسجاما مع موقفهم في الجانب الأوّل يقفون من دراسة المقطع موقفا سلبيا ، ويكتفون ـ في بعض حالات الانفتاح ـ بذكر الفوائد الدينية التي تترتب على ذكر القرآن لهذا المقطع القرآني ( المتشابه ) .
وقد أشار الشيخ محمّد عبدة إلى بعض هذه الفوائد ، ونكتفي بذكر فائدتين منها :
الاُولى : أنّ اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ في عظمته وجلاله يرضى لعبيده ان يسألوه عن حكمته في صنعه ، وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه .
الثانية : أنّ اللّه ـ سبحانه ـ لطيف بعباده رحيم بهم ، يعمل على معالجتهم بوجوه اللطف والرحمة ، فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ، ويجيبهم عن سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجّة بعد أن يرشدهم إلى واجبهم من الخضوع والتسليم « . . . إنيّ أعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ . . . »(١) .
وأمّا الخلف فقد حاولوا إ يضاح المفاهيم التي وردت في هذا المقطع القرآني ليتجلى بذلك معنى استخلاف اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ لآدم ، وسوف نعرض هنا أهم هذه المفاهيم المرتبطة بقضية الاستخلاف ، مع ذكر الآراء المختلفة فيها ، ثم نتحدّث عن المعنى العام للمقطع القرآني :
مفاهيم حول الاستخلاف : ١ ـ الخلافة :
الخليفة بحسب اللغة : مَنْ خلف مَنْ كان قبله ، وقام مقامه وسد مسده ، وتستعمل ـ أيضا ـ بمعنى النيابة(٢) ، ومن هذا المنطلق يُطرَح هذا السؤال : لماذا سُمىِّ¨ آدم خليفة ؟
توجد هنا عدّة آراء :
الأوّل : أنّ آدم سُميّ خليفة لأ نّه خلف مخلوقات اللّه ـ سبحانه ـ في الأرض ، وهذه المخلوقات إمّا أن تكون ملائكة ، أو يكونوا الجن الذين أفسدوا في الأرض ، وسفكوا فيها الدماء ، كما رُوِي عن ابن عباس ، أو يكونوا آدميين آخرين قبل آدم هذا .
الثاني : أ نّه سُمىِّ¨ خليفة لأ نّه وابناءه يخلف بعضهم بعضا ، فهم مخلوقات تتناسل ، ويخلف بعضها بعضا ، وقد نُسِب هذا الرأي إلى الحسن البصري .
- الكود:
-
(١) البقرة : ٣٠ ـ ٣١ . (٢) مفردات الراغب : مادة ( خلف ) . الثالث : أ نّه سُمىِّ¨ خليفة لأ نّه يخلف اللّه سبحانه في الأرض ، وفي تفسير هذه الخلافة للّه ـ سبحانه ـ وارتباطها بالمعنى اللغوي تعدّدت الآراء واختلفت :
أ ـ إنّه يخلف اللّه في الحكم والفصل بين الخلق .
ب ـ يخلف اللّه ـ سبحانه ـ في عمارة الأرض واستثمارها : من إنبات الزرع ، وإخراج الثمار ، وشق الأنهار وغير ذلك(١) .
ج ـ يخلف اللّه ـ سبحانه ـ في العلم بالأسماء ، كما ذهب إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي(٢) .
د ـ يخلف اللّه ـ سبحانه ـ في الأرض بما نفخ اللّه فيه من روحه ، ووهبه من قوة غير محدودة ، سواءٌ في قابليتها أو شهواتها أو علومها ، كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمّد عبدة(٣) .
ولعلّ المذهب الثالث هو الصحيح من هذه المذاهب الثلاثة ، خصوصا إذا أخذنا في مدلوله معنى واسعا لخلافة اللّه في الأرض بحيث يشمل مجمل الآراء الأربعة التي أشرنا إليها في تفسيره ؛ لأنّ دور الإنسان في خلافة اللّه في الأرض يمكن أن يشمل جميع الأبعاد والصور التي ذكرتها هذه الآراء ، فهو يخلف اللّه في الحكم والفصل بين العباد بما منح اللّه هذا الإنسان من صلاحية الحكم بين الناس بالحق « يَا دَاوُدُ إنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ . . . »(٤) .
- الكود:
-
(١) هذا الرأي وما قبله ذكره الطوسي في التبيان ١ : ١٣١ . (٢) الميزان ١ : ١١٨ . (٣) المنار ١ : ٢٦٠ . (٤) ص : ٢٦ . وكذلك يخلفه في عمارة الأرض واستثمارها : من إنبات الزرع ، وإخراج الثمار والمعادن ، وتفجير المياه ، وشق الأنهار وغير ذلك « . . . فَامْشُوا في مَنَاكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإليهِ النّشِور »(١) ولعلّ أكثر موارد استعمال ( خلائف وخلفاء واستخلاف ) اُريد منه هذا النوع من الاستخلاف : « وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوّأَكُمْ في الأرْضِ تَتّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ »(٢) .
وكذلك يخلف الإنسان اللّه في الأرض بعلمه بالأسماء والمعارف والكمالات التي يتكامل من خلالها ويسير بها نحو اللّه تعالى.
ولعلّ ما ذكره الشيخ محمّد عبدة إنّما يمثل السر في منح الإنسان هذه الخلافة ؛ لأ نّه يتميز بهذه المواهب والقوى والقابليات .
٢ ـ كيف عرف الملائكة أن الخليفة يفسد في الأرض ؟
لقد ذكر المقطع القرآني أنّ جواب الملائكة عن إخبارهم بجعل آدم خليفة في الأرض أ نّهم تساءلوا عن سبب انتقاء هذا الخليفة الذي يفسد في الأرض ، فكيف عرف الملائكة هذه الخصيصة في هذا الخليفة ؟ وهنا عدة آراء :
الأوّل : أنّ اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ أعلمهم بذلك ؛ لأنّ الملائكة لا يمكن أن يقولوا هذا القول رجما بالغيب وعملاً بالظن(٣) .
- الكود:
-
(١) الملك : ١٥ . (٢) الأعراف : ٧٤ . (٣) التبيان ١ : ١٣٢ . الثاني : أ نّهم قاسوا ذلك على المخلوقات التي سبقت هذا الخليفة الذي سوف يقوم مقامها ، كما يشير إلى ذلك بعض الروايات والتفاسير(١) .
الثالث : أنّ طبيعة الخلافة تكشف عن ذلك بناءً على الرأي الأوّل من المذهب الثالث في معنى الخلافة ؛ إذ يفترض الاختلاف والنزاع ، ولازمه الفساد في الأرض وسفك الدماء ، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره .
الرابع : أنّ طبيعة الخليفة نفسه تقتضي ذلك ، وهنا رأيان :
أ ـ إنّ المزاج المادي والروحي لهذا المخلوق الذي يريد أن يجعله اللّه خليفة ، والأساس الاجتماعي للعلاقات الأرضية التي سوف تحصل بين أبناء هذه المخلوقات هي التي جعلت الملائكة يعرفون ذلك ، يقول العلاّمة الطباطبائي : « إنّ الموجود الأرضي بما أ نّه مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية ، والدار دار التزاحم محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، مركباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها واصطلاحاتها مظنة الفساد ومصب البطلان ، لا تتم الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية ، ولا يكمل البقـاء فيـها إلاّ بالاجتماع والتعاون ، فلا تخلو مـن الفساد وسفك الدماء »(٢) .
- الكود:
-
(١) المصدر السابق : ١٣٣ . (٢) الميزان ١ : ١١٥ ، والتفسير الكبير ١ : ١٢١ ، والميزان ١ : ١١٩ . ب ـ إنّ الارادة الإنسانية بما اُعطيت من اختيار يتحكم في توجيهه العقل بمعلوماته الناقِصّة هي التي تؤدي بالإنسان إلى أن يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، قال محمّد عبدة :
« أخبر اللّه الملائكة بأ نّه جاعل في الأرض خليفة ، نفهم من ذلك أنّ اللّه يودع في فطرة هذا النوع الذي يجعله خليفة أن يكون ذا إرادة مطلقة واختيار في عمله غير محدود ، وأنّ الترجيح بين ما يتعارض من الأعمال التي تعن له تكون بحسـب علمه ، وأنّ العلم إذا لم يكن محيطا بوجوه المصالح والمنافع فقد يوجه الأرادة إلى خلاف المصلحة والحكمة ، وذلك هو الفساد ، وهو معين لازم الوقوع ؛ لأنّ العلم المحيط لا يكون إلاّ للّه تعالى »(١) .
ويبدو أنّ الرأي الأوّل هو الصحيح ؛ لأنّ اللّه تعالى لا بدّ أ نّه قد أعلم الملائكة بحال وطبيعة هذا المخلوق الذي ينتهي به الحال إلى هذه النتائج .
وأمّا الرأي الصحيح في بيان طبيعة نفس الخليقة فلعلّه هو : بيان أمرين :
أحدهما : الخصوصية المادية التي أشار إليها العلاّمة الطباطبائي ، والهوى في طبيعة هذا الخليفة .
والآخر : هو أنّ هذا الإنسان مريد ومختار يعمل بإرادته ، كما ذكر الشيخ محمّد عبدة ، ويمكن أن نفهم ذلك من قرينة تعقيب الملائكة أنفسهم ، الأمر الذي استدعى التوضيح الإلهي الذي يشتمل على بيان الخصوصية التي تجعل هذا الموجود مستحقا لهذه الخلافة ، وهو : العلم .
٣ ـ الأسماء : والأسماء من المفاهيم التي وقع الخلاف فيها بين علماء التفسير حول حقيقتها والمراد منها ، والآراء فيها تسير في الاتجاهين التاليين : الأوّل : أنّ المراد من الأسماء الألفاظ التي سمّى اللّه ـ سبحانه ـ بها ما خلقه من أجناس وأنواع المحدثات وفي جميع اللغات، وهذا الرأي هو المذهب السائد عند علماء التفسير ، ونسب إلى ابن عباس وبعض التابعين(٢) .
- الكود:
-
(١) المنار ١ : ٢٥٦ . (٢) التبيان ١ : ١٣٨ ، والتفسير الكبير ٢ : ١٧٦ . وينطلق أصحاب هذا المذهب في تفكيرهم إلى أنّ اللّه ـ سبحانه ـ كان قد علّم آدم جميع اللغات الرئيسة ، وقد كان ولده على هذه المعرفة ، ثمّ تشعبت بعد ذلك ، واختص كلّ جماعة منهم بلغة غير لغة الجماعة الاُخرى .
الثاني : أنّ المراد من الأسماء : المسميات ، أو صفاتها وخصائصها ، لا الألفاظ ، وحينئذٍ فنحن بحاجة إلى القرينة القرآنية أو العقلية التي تصرف اللفظ إلى هذا المعنى الذي قد يبدو أ نّه يخالف ظاهر الإطلاق القرآني لكلمة ( الأسماء ) الدالة على الألفاظ . ويمكن أن نتصوّر هذه القرينة فيالاُمور التالية :
أ ـ كلمة ( علم ) التي تدلّ على أنّ اللّه ـ سبحانه ـ منح آدم ( العلم ) وبما « أنّ العلم الحقيقي إنّما هو إدراك المعلومات أنفسها ، والألفاظ الدالة عليها تختلف باختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح ، فهي تتغير وتختلف ، والمعنى لا تغيير فيه ولا اختلاف »(١) . فلا بدّ أن يكون هو المسميات التي هي المعلومات الحقيقية .
ب ـ قضية التحدي المطروحة في الآيات الكريمة ؛ ذلك أنّ الأسماء حين يقصد منها الألفاظ واللغات فهي إذن من الأَشياء التي لا يمكن تحصيلها إلاّ بالتعليم والاكتساب ، فلا يحسن تحدي الملائكة بها ؛ إذ لا دلالة في تعليمها آدم على وجود موهبة خاصة فيه يتمكن بها من معرفة الأسماء ، وهذا على خلاف ما اذا قلنا : إنّ المقصود منها المسميات ، فإنّها ممّا يمكن إدراكه ـ ولو جزئيا ـ عن طريق إعمال العقل الذي يُعدّ موهبة خاصة ، فيكون لمعرفة آدم بها دلالة على موهبة خاصة منحه اللّه إ ياها .
- الكود:
-
(١) المنار ١ : ٢٦٢ . قال الطوسي : « إنّ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ، ولا وجه لايثارة الفضيلة بها »(١) .
وقال الرازي : « وذلك لأنّ العقل لا طريق له إلى معرفة اللغات البتة ، بل ذلك لا يحصل الا بالتعليم ، فإن حصل التعليم حصل العلم به ، وإلاّ فلا ، أمّا العلم بحقائق الأشياء فالعقل متمكن من تحصيله ، فصحّ وقوع التحدي فيه »(٢) .
ج ـ عجز الملائكة عن مواجهة التحدي ؛ لأنّ هذه الأسماء لو كانت الفاظا لتوصل الملائكة إلى معرفتها بأنباء آدم لهم بها ، وهم بذلك يتساوون مع آدم ، فلا تبقى له مزية وفضيلة عليهم ، فلا بدّ لنا من أن نلتزم بأ نّها أشياء تختلف مراتب العلم بها ، الأمر الذي أدى إلى أن يعرفها آدم معرفة خاصة تختلف عن معرفة الملائكة لها حين إخباره لهم بها ،
وهذا يدعونا لأن نقول : إ نّها عبارة عن المسميات لا الالفاظ ، قال العلامة الطباطبائي بصدد شرح هذه الفكرة : « إنّ قوله تعالى : « وَعَلّمَ آدَم الأسْمَاءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ . . . » يشعر بأنّ هذه الأسماء أو أنّ مسمياتها كانت موجودات أحياءً عقلاءً محجوبين تحت حجاب الغيب ، وأنّ العلم بأسمائهم كان غير العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء ، وإلاّ كانت بأنباء آدم إ ياهم بها عالمين بها وصائرين مثل آدم مساوين معه»(٣) .
وحين يصل أصحاب هذا الاتّجاه إلى هذه النقطة نجدهم يحاولون أنْ يتعرفوا على العلاقة التي صحّحت استعمال لفظ ( الأسماء ) محل لفظ ( المسميات ) ويذكرون لذلك قرائن متعدّدة :
- الكود:
-
(١) التبيان ١ : ١٣٨ . (٢) التفسير الكبير ٢ : ١٧٦ . (٣) الميزان ١ : ١١٧ . ١ ـ فالرازي يرى هذه المناسبة والعلاقة في مصدر اشتقاق الاسم ، فإنّه أمّا أن يكون من السمة أو السمو « فإن كان من السمة كان الاسم هو العلامة ، وصفات الأشياء خصائصها دالة على ماهياتها ، فصحّ أن يكون المراد من الأسماء : ( الصفات ) وإن كان من السمو فكذلك ؛ لأنّ دليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء ، فإنّ العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول »(١) والصفات تدل على الموصوف ، وهي كالظاهر المرتفع بالنسبة إلى الشيء .
٢ ـ والشيخ محمّد عبدة يرى هذه العلاقة في « شدّة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له ، وسرعة الانتقال من أحدهما إلى الآخر » .
٣ ـ كما أ نّه يرى في ذلك وجها آخر يكاد يغنيه عن هذه العلاقة ، لأنّ الاسم قد يطلق إطلاقا صحيحا على صورة المعلوم الذهنية ( أي ما به يُعلمُ الشيءُ عند العالم ) فاسم اللّه مثلاً هو ما به عرفناه في أذهاننا ، لا نفس اللفظ بحيث يقال : إنّنا نؤمن بوجوده ، ونسند إليه صفاته ، فالأسماء هي ما يعلم بها الأشياء في الصور الذهنية ، وهي العلوم المطابقة للحقائق الخارجية الموضوعية ، والاسم بهذا المعنى هو الذي جرى الخلاف بين الفلاسفة في أ نّه عين المسمى أو غيره ، الأمر الذي يدعونا لأن نقول :
إنّ للاسم معنى آخر غير اللفظ ؛ اذ لا شك بأنّ اللفظ غير المعنى . والاسم بهذا الاطلاق ـ أيضا ـ هو الذي يتبارك ويتقدس : « سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى »(٢) ؛ اذ لا معنى لأن يكون اللفظ هو الذي يتبارك ويتقدس(٣) .
- الكود:
-
(١) المصدر السابق : الموضوع نفسه . (٢) الأعلى : ١ . (٣) المنار ١ : ٢٦٢ .
ماهي هذه الاسماء ؟ وبعد هذا كلّه نجدهم يختلفون في حقيقة هذه المسميات ، والمراد منها في الآية الكريمة : فالعلاّمة الطباطبائي يراها ـ كما في النص السابق ـ موجودات أحياء عقلاء ، ولعلّه يفهم هذه الحياة لها والعقل من قوله تعالى : « ثُمّ عَرَضَهُمْ » ؛ لأ نّه استعمل ضمير الجماعة المختص بمَنْ يعقل ، وهذا الاتجاه نجده في بعض الآراء المتقدّمة على العلاّمة الطباطبائي نفسه ، كما في حكاية الطبري عن الربيع بن زيد أ نّهما قالا : علّمه اللّه أسماء ذريته وأسماء الملائكة(١) .
ولكن الشيخ الطوسي يناقش فكرة الاعتماد على الضمير بقوله : « وهذا غلط ؛ لما بيناه من التغليب وحسنه ، كما قال تعالى : « وَاللّهَُ خَلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ . . . »(٢) » .
والشيخ محمّد عبدة يرى أ نّها تعني : جميع الأشياء وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا من غير تحديد ولا تعيين(٣) ولعلّ هذا الاتجاه هو الذي يظهر من كلام الشيخ الطوسي والرازي في تفسيرهما(٤) ، وحكاه الطبرسي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعليه أكثر المتأخرين .
- الكود:
-
(١) التبيان ١ : ١٣٨ . (٢) النور : ٤٥ . (٣) المنار ١ : ٢٦٢ . (٤) التبيان ١ : ١٣٨ ، والتفسير الكبير ٣ : ١٧٦ .
وهذا الرأي هو الصحيح الذي ينسجم مع واقع الإنسان من ناحية ، وصحة التمييز به والفضل على الملائكة ؛ لأ نّه يُعبّرُ عن خط التكامل الذي يمكن أن يسير به الإنسان ، ويمتاز به على جميع المخلوقات .
نظرية الاستخلاف :
بعد أن تعرّفنا آراء العلماء المختلفة تجاه المفاهيم البارزة التي جاءت في هذا المقطع القرآني ، لا بدّ لنا من معرفة الصورة الكاملة للمقطع القرآني ؛ لنستخلص نظرية استخلاف آدم منها . صورتان لهذه النظرية :
وهنا صورتان لهذه النظرية بينهما كثير من وجوه الشبه :
الاُولى : الصورة التي ذكرها السيد رشيد رضا في تفسيره عن اُستاذه الشيخ محمّد عبدة ، حيث يرى أنّ القِصّة وردت مورد التمثيل ؛ لغرض تقريبها من تناول أفهام الخلق لها ؛ لتحصل لهم الفائدة من معرفة حال النشأة الاُولى .
وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم كثيرا من جوانب هذه المحاورة ، والالفاظ التي استعملت فيها دون أن نتقيد بالمعنى اللغوي العرفي لها :
١ ـ فاللّه ـ سبحانه ـ أخبر الملائكة بأ نّه بصدد أن يجعل في الأرض خليفة عنه ، يودع في فطرته الإرادة المطلقة التي تجعله قادرا على التصرف حسب قدرته ومعلوماته التي لا يمكن أن تصل إلى مرتبة الكمال .
وعلى أساس هذه الإرادة المطلقة ، وهذا العلم الناقص عرف الملائكة أنّ هذا الخليفة سوف يسفك الدماء ويفسد في الأرض ؛ لأنّ ذلك نتيجة طبيعية لما يتمتع به من إرادة مطلقة يسير بها حسب علمه الذي لايحيط بجميع جوانب المصالح والمنافع، الأمر الذي قد يوجه الإرادة إلى خلاف الحكمة والمصلحة ، فيقع في الفساد .
وحين عرف الملائكة ذلك تعجبوا من خلق اللّه لهذا النوع من الخلق الذي يسفك الدماء ويفسد في الأرض ، فسألوا اللّه سبحانه ( عن طريق النطق ، أو الحال ، أو غير ذلك ) أن يتفضل عليهم بإعلامهم عن ذلك وبيان الحكمة لهم .
وكان الجواب لهم عن ذلك هو بيان وجوب الخضوع والتسليم لمن هو بكل شيء عليم ؛ لأنّ هذا هو موقف جميع المخلوقات تجاهه ؛ لأ نّه العالم المحيط بكل المصالح والحكم .
٢ ـ على أنّ هذا النوع من الخضوع والتسليم الذي ينشأ من معرفة الملائكة بإحاطة اللّه بكلّ شيءٍ ربّما لا يذهب الحيرة ، ولا يزيل الاضطراب ، وإنّما تسكن النفس بإظهار الحكمة ، والسر الذي يختفي وراء الفعل الذي حصل منه تعجب الملائكة .
ولذلك تفضل اللّه ـ سبحانه ـ على الملائكة بأن أوضح لهم السر ، وأكمل علمهم ببيان الحكمة في هذا الخلق ، فأودع في نفس آدم وفطرته علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين ، الأمر الذي جعل لآدم امتيازا خاصا استحق به الخلافة عن اللّه في الأرض .
ويظهر هذا الامتياز حين نقارن بين الإنسان وبين المخلوقات للّه سبحانه ، فقد نطق الوحي ودل العيان والاختبار على أنّ اللّه ـ تعالى ـ خلق العالم أنواعا مختلفة ، وخصّ كلّ نوع منها بقدرات ومواهب ، ولكنّ الإنسان مع ذلك يختلف عنها في أ نّه لـمّا منحه اللّه من قدرات ومواهب ليست لها حدود معينة ، لا يتعداها ، على خلاف بقية المخلوقات .
فالملائكة ـ الذي لا تتمكن من معرفة حقيقتهم الا عن طريق الوحي ـ لهم وظائف محدودة ـ كما دلت الآيات والاحاديث ـ فهم يسبّحون اللّه ليلاً ونهارا ، وهم صافون ويفعلون ما يؤمرون إلى غير ذلك من الأعمال المحدودة .
٣ ـ وما نعرفه بالنظر والاختبار عن حال الحيوان والنبات والجماد ، فإنّها بين ما يكون لا علم له ولا عمل كالجماد ، أو يكون له عمل معين يختص به نفسه دون أن يكون له علم وإرادة ، ولو فرض أنّ له علما أو إرادة فهما لا أثر لهما في جعل عملهما مبينا لحكم اللّه وسنته في الخلق ، ولا وسيلة لبيان أحكامه وتنفيذها .
فكل حي من الأحياء المحسوسة والغيبية ـ عدا الإنسان ـ له استعداد محدود وعلم إلهامي محدود وما كان كذلك لا يصلح أن يكون خليفة عن الذي لا حد لعلمه وإرادته .
وأمّا الإنسان فقد خلقه اللّه ضعيفا وجاهلاً ، ولكنّه على ضعفه وجهله فهو يتصرف في الموجودات القوية ، ويعلم جميع الاسماء بما وهبه اللّه من قدرة على النمو والتطور التدريجي في إحساسه ومشاعره وإدراكه ، فتكون له السلطة على هذه الكائنات يسخرها ثم يذللها بعد ذلك كما تشاء قوته الغريبة التي يسمونها العقل ، ولا يعرفون حقيقتها ولا يدركون كنهها ، فهذه القوة نجدها تغني الإنسان عن كل ما وهب اللّه للحيوان في أصل الفطرة والإلهام من الكساء والغذاء والاعضاء والقوة .
فالانسان بهذه القوة غير محدود الاستعداد ، ولا محدود الرغائب ، ولا محدود العلم ، ولا محدود العمل .
وكما أعطاه اللّه ـ تعالى ـ هذه المواهب أعطاه أحكاما وشرائع حدد فيها أعماله وأخلاقه ، وهي في الوقت نفسه تساعده على بلوغ كماله ؛ لأ نّها مرشد للعقل الذي كان له كل تلك المزايا . وبهذا كله استحق الإنسان خلافة اللّه في الارض ، وهو خلق المخلوقات بها ، ونحن نشاهد في عصرنا آثار هذه الخلافة بما فعله الإنسان من تطوير وسيطرة وتصرف في الكون .
وحين أودع اللّه في فطرة آدم علم الاشياء من غير تحديد عرض الاشياء على الملائكة وأطلعهم عليها إطلاعا إ جماليا ، ثم طالبهم بمعرفتها والانباء بها واذا بهم يظهرون التسليم والخضوع والعجز والاعتراف .
وعند ذلك أمر اللّه آدم أن ينبئهم بالاشياء ففعل ، وذلك لتتكشف لهم الحقيقة بأوضح صورها وأشكالها .
وأمّا الصورة الثانية : فهي التي عرضها العلاّمة الطباطبائي ، وهي تختلف عن الصورة السابقة في بعض الجوانب ، ونحن نقتصر على ذكر جوانب الخلاف التي سبق أن أشرنا إلى بعضها :
١ ـ إنّ خليفة اللّه موجود مادي مركب من القوى الغضبية والشهوية ، والدار دار تزاحم محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، لا يمكن أن تتم فيها الحياة إلاّ بإ يجاد العلاقات الاجتماعية ، وما يستتبعها من تصادم وتضاد في المصالح والرغبات ، الأمر الذي يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء .
٢ ـ إنّ الملائكة حين تعجبوا كانوا يرون أنّ الغاية من جعل الخلافة هي : أن يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده ، والأرضية أي : الانتماء إلى الأرض وشهواتها لا تدعه يفعل ذلك ، بل تجره إلى الفساد والشر ، والغاية من هذا الجعل يمكن أن تتحقق بتسبيحهم بحمد اللّه وتقديسهم له .
٣ ـ إنّ آدم استحقّ الخلافة ؛ لقدرته على تحمل السر الذي هو : عبارة عن تعلم الأسماء التي هي : أشياء حية عاقلة محجوبة تحت حجاب الغيب محفوظة عند اللّه . وقد أنزل اللّه كلّ اسم في العالم بخيرها وبركتها ، واشتق كلّ ما في السماوات والأرض من نورها وبهائها ، وإنّهم على كثرتهم وتعددهم لا يتعددون تعدد الافراد ، وإنّما يتكاثرون بالمراتب والدرجات .
الموازنة بين الصورتين : ويحسن بنا أن نوازن بين هاتين الصورتين ؛ لنخرج بالصورة الكاملة التي نراها صحيحة لتصوير هذا المقطع القرآني ، ولنأخذ النقاط الثلاث التي خالف فيها العلاّمة الطباطبائي الشيخ محمّد عبدة :
ففي النقطة الاُولى : قد نجد العلاّمة الطباطبائي على جانب من الحقّ ، كما نجد الشيخ محمّد عبدة على جانب آخر منه ؛ ذلك لأنّ العلاّمة الطباطبائي أكّد ما فطر عليه الإنسان من غرائز وعواطف مختلفة ، وهذا شيءٌ صحيح لما لهذه الغرائز من تأثير كبير في حصول التزاحم والتنافس في المجتمع الإنساني ، الأمر الذي يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء ، وأساس هذه الغرائز غريزة حبّ الذات التي جاءت الأديان السماوية ـ ومنها الاسلام ـ من أجل توجيهها توجيها صالحا يدفعها إلى تجنب الفساد والسفك للدماء ، ولذلك نجد القرآن الكريم يؤكّد دور الهوى في الفساد وسفك الدماء .
والشيخ محمّد عبدة حين يغفل هذا الجانب ـ في مسألة معرفة الملائكة للفساد وسفك الدماء ـ يؤكّد جانبا آخر له دور كبير ـ أيضا ـ في الفساد وسفك الدماء ، وهو : الإرادة المطلقة والمعرفة الناقصة ، فلولا هذه الإرادة ولولا هذا النقص في العلم لما كان السفك والفساد .
وعلى هذا الأساس يمكن أن نعتبر كلا الجانبين مؤثرا في معرفة الملائكة لنتيجة هذا الخليفة .
وفي النقطة الثانية : نجد الشيخ محمّد عبدة يحاول أن يذكر أنّ الشيء الذي أثار السؤال لدى الملائكة هو : قضية أنّ هذا المخلوق المريد ذا العلم الناقص لا بدّ أن يكون مفسدا في الأرض وسافكا للدماء ، ومن ثمّ لا مبرر لجعله خليفة مع ترتب هذه الآثار على وجوده .
وأمّا العلاّمة الطباطبائي فهو يحاول أن يذكر في أنّ الشيء الذي أثار السؤال هو : أنّ الخليفة لا بدّ أن يكون حاكيا للمستخلف (اللّه) بخلاف الملائكة ؛ إذ يمكن أن يحكوا المستخلف من خلال تسبيحهم وحمدهم .
وفي هذه النقطة قد يكون الحقّ إلى جانب العلاّمة الطباطبائي ؛ ذلك لأنّ التفسير الإلهي لهذه الخلافة كان من خلال بيان امتياز هذا الخليفة بالعلم ، كما قد يفهم من الآية ، وأشار إليه الشيخ محمّد عبدة ، مع أنّ هذا التفسير لا ينسجم مع النقطة التي ذكرها الشيخ عبدة ؛ لأ نّه افترض في أصل إثارة السؤال وجود العلم الناقص إلى جانب الإرادة ، فكيف يكون هذا العلم ـ بالشكل الذي ذكره الشيخ محمّد عبدة ، وهو علم ناقص على أي حال ـ جوابا لهذا السؤال ؟
نعم لو افترضنا أنّ العلم الذي علّمه اللّه ـ تعالى ـ لآدم هو الرسالات الإلهية الهادية للصلاح والرشاد والحقّ والكمال ـ كما أشار الشيخ محمّد عبدة إلى ذلك في النقطة الثالثة ـ فقد يكون جوابا لسؤال الملائكة ؛ لأنّ مثل هذا العلم يمكن أن يصلح شأن الإرادة والاختيار الذي أثار المخاوف ، ولكن هذا خلال الظاهر ؛ إذ يفهم من ذيل هذا المقطع الشريف : « . . . فَإمّا يَأتِيَنّكُمْ مِنيّ هُدَىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون »(١) أنّ هذا الهدى الذي هو الرسالات الإلهية الهادية جاء بعد هذا التعليم لآدم .
- الكود:
-
(١) البقرة : ٣٨ . وأمّا لو افترضنا أنّ الذي أثار السوءال لدى الملائكة هو الإرادة والاختيار فقط ـ كما اختاره أستاذنا الشهيد الصدر قدسسره ـ أصبح بيان الامتياز بالعلم والمعرفة جوابا للسؤال ، وتهدئة للمخاوف التي انثارت لدى الملائكة ؛ لأنّ هذا العلم يهدي إلى اللّه تعالى ، ويتمكن هذا الإنسان بفطرته من أن يسير في طريق التكامل .
وأمّا العلاّمة الطباطبائي فقد اعتبر الانتماء إلى الأرض والتزاحم بين المصالح فيها هو الذي يؤدي إلى الفساد ، ويكون العلم بالاسماء طريقا وعلاجا لتجنب هذه الأخطار ؛ لأنّ الأسماء بنظره موجودات عاقلة حية .
وفي النقطة الثالثة : يفترض الشيخ محمّد عبدة أنّ العلم هو الذي جعل الإنسان مستحقا للخلافة ، وهذا العلم ذو بعدين :
أحدهما : العلوم الطبيعية التي يمكن للإنسان أن يحصل عليها من خلال التجارب والبحث ، والتي يتمكن الإنسان بواسطتها من الهيمنة على العالم المادي الذي يعيش فيه ، كما نشاهد ذلك في التأريخ وفي عصرنا الحاضر بشكل خاص .
والآخر : العلم الإلهي المنزل من خلال الشريعة ، والذي يمكن للإنسان من خلاله أن يعرف طريقه إلى الكمالات الإلهية ، ويشخص المصالح والمفاسد والخير والشر .
وهذا التصور ينسجم مع إطلاق كلمة ( العلم ) في الآية الكريمة ، ومع فرضية أنّ الجواب الإلهي للملائكة إنّما هو تفسير لجعل الإنسان خليفة ؛ لأنّ الجواب ذكر خصوصية ( العلم ) كامتياز لآدم على الملائكة .
كما ينسجم هذا التصور مع ما أكّده القرآن الكريم في مواضع متعدّدة من دور العقل ومدركاته في حياة الإنسان ومسيرته وتسخير الطبيعة له ، وكذلك دور الشريعة في تكامل الإنسان ووصوله إلى أهدافه .
ولكن هذا التصور نلاحظ عليه ـ ما ذكرنا ـ من أنّ الشريعة قد افترض نزولها في هذا المقطع الشريف بعد هذا الحوار : « . . . فَإمّا يَأتِيَنّكُمْ مِنيّ هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَاي فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون »(١) .
كما أنّ الظاهر أنّ الإرادة والاختيار يمثلان ميزة اُخرى لآدم والإنسان بشكل عام على الملائكة ، وأنّ هذه الخصوصية هي التي أثارت مخاوف الملائكة وسؤالهم ، كما نبهنا عليه وأشار إليه الشيخ محمّد عبدة .
وبذلك يكون استحقاق آدم للخلافة وجود هاتين الخصوصيتين فيه .
وأمّا العلاّمة الطباطبائي فهو افترض أنّ هذا الاستحقاق إنّما كان باعتبار العلم بالأسماء ، ولكنّه فسر الأسماء بأ نّها موجودات عاقلة لها مراتب من الوجود ، ويمكن من خلال العلم بها أن يسير الإنسان في طريق التكامل .
ولكن هذا التفسير فيه شيءٌ من الغموض ، ولعلّه يعتمد على بعض المذاهب الفلسفية التي تؤمن بوجود العقول التي هي واسطة في العلم والخلق والتكامل بين اللّه ـ تعالى ـ والوجود ومنه الإنسان .
نعم ، هناك فرضية تشير إليها بعض الروايات المروية عن أهل البيت عليهمالسلام وهي : أنّ الأسماء عبارة عن أسماء العناصر والذوات الإنسانية الموجودة في سلسلة امتداد الجنس البشري من الأنبياء والربانيين والأحبار الذين جعلهم اللّه ـ تعالى ـ شهودا على البشرية والإنسانية ، واستحفظهم اللّه ـ تعالى ـ على كتبه ورسالاته(٢) ، ويكون وجود هذا الخط الإنساني الإلهي الكامل هو الضمان الذي أعدّه اللّه ـ تعالى ـ لهداية البشرية والسيطرة على الهوى ، وتوجيه الإرادة نحو الخير والصلاح والكمال .
- الكود:
-
(١) البقرة : ٣٨ . (٢) « إنّا أنزَلْنَا التّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أسْلَمُوا لِلّذِينَ هَادُوا وَالرّبّانِيّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ . . . »المائدة : ٤٤ . ويكون العلم بهذه الأسماء معناه : تحقق وجودها في الخارج باعتبار مطابقة العلم للمعلوم ، وتعليم آدم الاسماء إنّما هو إخباره بوجودها .
أو يكون العلم بالأسماء معناه : معرفة هذه الكمالات التي يتصف بها هؤلاء المخلوقون ، وهي صفات وكمالات تمثل نفحة من الصفات والكمالات الإلهية ، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ كلمة ( الأسماء ) في القرآن تطلق على الصفات الإلهية بنحو من الاطلاق .
والظاهر أنّ هذه الفرضية هي التي ذهب إليها استاذنا الشهيد الصدر قدسسره .
مسيرة الاستخلاف
وهي : مسيرة تحقق الخلافة في الأرض ، فيقع الكلام فيه أيضا في جانبين :
الأوّل : تشخيص مجموعة من المفاهيم والتصورات التي وردت في القرآن الكريم حول هذه المسيرة .
الثاني : بيان الصورة النظرية الكاملة حول هذه المسيرة .
الجانب الأوّل ـ المفاهيم والتصوّرات :
السجود لآدم :
في البداية يواجهنا السؤال عن الأمر الإلهي للملائكة في السجود لآدم ، إذ إنّه في الشريعة المقدسة يحرم السجود لغير اللّه تعالى ، فكيف صحّ أن يطلب من الملائكة السجود لآدم ؟ وما هو المقصود من هذا السجود ؟
وهذا السؤال ينطلق من فكرة ، وهي : أنّ السجود بحدّ ذاته عبادة ، والعبادة لغير اللّه شرك وحرام ؛ إذ تقسم الافعال العبادية إلى قسمين :
أحدهما : الأفعال التي تتقوم عباديتها بالنية وقصد القربة كالإنفاق ( الزكاة والخمس ) ، أو الطواف بالبيت الحرام ، أو القتال ، أو غير ذلك ، فإنّ هذه الأفعال إذا توفرت فيها نية القربة وقصد رضا اللّه ـ تعالى ـ تكون عبادة للّه تعالى ، وبدون ذلك لا تكون عبادة، ومن ثمّ فهي تتبع نيتها في تشخيص طبيعتها .
والآخر : الأفعال التي تكون بذاتها عبادة ، ويذكر ( السجود ) منها ؛ لأ نّه عبادة بذاته ، ولذا يحرم السجود لغير اللّه ؛ لأ نّه يكون بذاته عبادة لغير اللّه .
ولكن هذا التصور غير صحيح : فإنّ السجود شأنه شأن الأفعال الاُخرى التي تتقوم عباديتها بالقصد والنية ، ولذا فقد يكون السجود سخرية واستهزاء ، وقد يكون لمجرد التعظيم ، وقد يكون عبادة إذا كان بنيتها .
ولذا نجد في القرآن الكريم في بعض الموارد الصحيحة يستخدم السجود تعبيرا عن التعظيم كما في قِصّة إخوة يوسف ، قال تعالى :
« وَرَفَعَ أبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرّوا لَهُ سُجّدا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُوءيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّا . . . »(١) .
وإنّما كان السجود لغير اللّه حراما ؛ لأ نّه يستخدم عادة في العبادة ، فاُريد للإنسان المسلم أن يتنزه عمّا يوهم العبادة لغير اللّه تعالى .
وأمّا إذا كان السجود للتعظيم وبأمر من اللّه تعالى ، فلا يكون حراما ، بل يكون واجبا .
ولكن يبقى السؤال : أنّ هذا السجود ماذا كان يعني ؟
فقد ذكر بعض المفسرين ـ انطلاقا من فكرة أنّ هذا الحديث لا يراد منه إلاّ التربية والتمثيل ، وليس المصاديق المادية لمفرداته ومعانيه ـ أنّ السجود المطلوب إنّما هو : خضوع هذه القوى المتمثلة بالملائكة للإنسان ؛ لأنّ اللّه ـ تعالى ـ أودع في شخصية هذا الإنسان وطبيعته من المواهب ما تخضع له هذه القوى الغيبية ، وتتأثر بفعله وإرادته « إنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْتقَامُوا تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلاَئِكَةُ ألاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا . . . »(٢) .
- الكود:
-
(١) يوسف : ١٠٠ . (٢) فصلت : ٣٠ . كما أ نّه يمكن أن يكون هذا السجود سجودا حقيقيا بالشكل الذي يتناسب مع الملائكة ، ويكون طلب السجود منهم لآدم من أجل أن يعبّروا بهذا السجود عن خضوعهم أو تقديسهم لهذا المخلوق الإلهي المتميز ، بما أودع اللّه فيه من روحه ، ووهبه العلم والإرادة والقدرة على التكامل والصعود إلى الدرجات الكمالية العالية .
ولعلّ هذا المعنى الثاني هو الظاهر من مجموعة الصور والآيات القرآنية التي تحدّثت عن هذا الموضوع ؛ إذ نلاحظ أنّ امتناع إ بليس عن السجود إنّما كان بسبب الاستكبار لتفضيل هذا المخلوق ؛ لأ نّه كان يطرح في تفسير عدم السجود أ نّه أفضل من آدم « . . . قَالَ أنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ »(١) ، كما أنّ القرآن الكريم يشير إلى أنّ الإنسان الصالح المخلص يكون خارجا عن قدرة إ بليس ومكره ، ومن ثمّ فهو مهيمن على هذه القوة الشيطانية :
« قَالَ فَبِعِزّتِكَ لاَُغْوِيَنّهُمْ أجْمَعِين * إلاّ عِبَادِكَ مِنْهُمُ الـمُخْلَصِينَ »(٢) .
إ بليس من الملائكة أم لا ؟
وهناك سؤال آخر عن حقيقة إ بليس إنّه من الملائكة أو الجن ؟ حيث ورد في القرآن الكريم وصفه بكلا هذين العنوانين :
فاذا كان من الملائكة فكيف يعصي اللّه تعالى ، وقد وصف اللّه تعالى الملائكة بأنهم : « . . . عِبَادٌ مُكْرَمُونَ »(٣) لا يخالفون و « . . . لا يَعْصُونَ اللّه مَا أمَرَهُمْ . . . »(٤) ، وهم بأمره يعملون .
وإذا كان من الجن فلماذا وضع إلى جانب الملائكة في هذه القِصّة ؟
- الكود:
-
(١) الأعراف : ١٢ . (٢) ص : ٨٢ ـ ٨٣ . (٣) الأنبياء : ٢٦ . (٤) التحريم : ٦ .
وتذكر عادة للاستدلال على أنّ ابليس من الجن وليس من الملائكة ، ويختلف عن طبيعة الملائكة عدّةُ شواهد ، إضافة إلى وصف القرآن الكريم له بذلك ،
ومن هذه الشواهد : أنّ أوصاف الملائكة لا تنطبق على ابليس ؛ لأ نّهم وُصفوا بالطاعة وقد تمرد إ بليس ، ووصفوا بأ نّهم رسل : « . . . جَاعِلْ المَلائِكَة رُسُلاً اُوْلي أجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثَلاث وَرُبَاع . . . »(١) ، ومن هذه الشواهد : أنّ الملائكة لا ذرية لهم ؛ إذ لا يتناسلون ولا شهوة لهم ، وأمّا إ بليس فله ذرية كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك : « . . . أفَتتّخِذُونَهُ وَذُرّيَتَهُ أوْلِيَاء مِنْ دُوني . . . »(٢) .
ولكن هذه الشواهد لا تكفي في عدّ إ بليس من الجن في مقابل الملائكة ؛ وذلك لأنّ وصف القرآن الكريم لابليس بأ نّه من الجن يمكن أن يكون من ناحية أنّ بعض الملائكة يوصف بأ نّه جن ، إن لم يكن هذا الوصف عاما لهم ؛ لأنّ الجن مأخوذ من الخفاء والستر ، والملائكة مستورون عن عوالمنا ومشاهدنا .
كما نلاحظ هذا الوصف في نسبة الملائكة إلى اللّه تعالى عند المشركين ؛ إذ افترضوا أنّ الملائكة هم بنات اللّه ـ على ما ورد في القرآن الكريم ـ وفي نفس الوقت يصف القرآن الكريم هؤلاء الملائكة بأنهم جنة : « وَجَعَلُوا بَيْنَه وَبَيْنَ الجِنّة نَسَبا . . . »(٣) .
كما أنّ الطاعة ليست صفة لازمة لعنوان الملائكة ، بل نلاحظ في القرآن الكريم حصول التمرد لدى بعض الملائكة ، كما في الملكين هاروت وماروت(٤) .
- الكود:
-
(١) فاطر : ١ . (٢) الكهف : ٥٠ . (٣) الصافات : ١٥٨ . (٤) البقرة : ١٠٢ .
وكذلك موضوع ( الذرية ) فإنّها يمكن أن تكون من الخصوصيات التي اُختص بها إ بليس ؛ ليقوم بهذا الدور الخاص له في حياة الإنسان .
نعم ، يوجد في بعض الروايات ما يشير إلى أنّ ابليس كان من الجن وليس من الملائكة ، وإنّما كان يعاشرهم ، وأ نّهم كانوا يظنون أ نّه منهم ، ولكن لا يمكن الاعتماد على مثل هذه الروايات .
هل خلق آدم للجَنّة أم للأرض ؟
وهناك سؤال آخر ، وهو : أنّ آدم هل خُلق للأرض كما يبدو ذلك في أوّل المقطع الشريف : « وَإذْ قَالَ رَبّكَ لِلمَلائِكَة إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَة . . . »(١) ، أو إنّه مخلوق للجنة ، وبعد العصيان طرد للأرض ، كما يفهم ذلك من القسم الثاني من هذا المقطع الشريف : « وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدا حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظّالِمِينَ »(٢) .
وقد حاول بعض الملحدين أن يثير الشبهات حول هذا الموضوع بدعوى أنّ هذا المقطع القرآني يبدو وكأن إدخال آدم للجنة والتوبة عن فعله إنّما هما عملية شكلية وصورية ؛ لطرده منها وإنزاله إلى الأرض .
ولكن الجواب عن هذا السؤال واضح ، وهو : أنّ آدم إنّما خُلق للأرض وخلافة اللّه فيها ، وكان وجوده في الجنة هو مرحلة متقدّمة ( تأهيلية ) تؤهله للقيام بدور الخلافة ؛ إذ لم يكن من الممكن لآدم أن يقوم بهذا الدور بدون هذا التأهيل والتجربة التي خاضها في الجنة ، على ما سوف نوضح هذا الأمر في بيان الجانب الآخر .
- الكود:
-
(١) البقرة : ٣٠ . (٢) البقرة : ٣٥ . على أنّ هذه الجنة يمكن أن تكون جنة أرضية وليست جنة ( الخلد ) ؛ إذ لا يوجد دليل على أ نّها جنة الخلد ، وكان هبوطه وإخراجه منها يعني بداية دور تحمّل المسؤولية والتعب والجهد من أجل الحياة واستمرارها ، فهو منذ البداية كان على الأرض ، ولكن في مكان منها لا تعب ولا عناء فيه ، وقد تهيأت له جميع أسباب العيش والراحة والاستقرار ، وبعد المعصية بدأت حياة جديدة تختلف عن الحياة السابقة في خصوصياتها ومواصفاتها وإن كانت على الأرض أيضا .
وبذلك يمكن أن نجيب عن سؤال آخر ، هو : أ نّه كيف تسنى لإ بليس أن يغوي آدم في الجنة مع أنّ دخولها محرّم على إ بليس ؟
إذ يمكن أن تكون هذه الجنة أرضية ولم يمنع من دخولها ، ولعلّ ضمير الجمع في قوله تعالى : « . . . وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضَكُمْ لِبَعضٍ عَدُوٌّ . . . »(١) يشير إلى ذلك .
على أنّ عملية الإغواء يمكن أن تكون من خلال وجوده في خارج الجنة ؛ لأنّ الخطاب بين أهل الجنة وغيرهم ممّن هو في خارج الجنة ميسور ، كما دل على ذلك القرآن الكريم في خطاب أهل الجنة وأهل النار : « وَنَادَى أصْحَابُ النّارِ أصْحَابَ الْجَنّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أوْ مِمّا رَزَقَكُمْ اللّهُ قَالُوا إنّ اللّهَ حَرّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ »(٢) .
[code:1:f43 | |
|
Admin Admin
عدد المساهمات : 372 نقاط : 907 تاريخ التسجيل : 24/09/2009 العمر : 48 الموقع : منتدى الدكتور محمد شوكت الخربوطلى
| موضوع: رد: قِصّة آدم عليه السلام الأحد يناير 10, 2010 9:35 am | |
|
خطيئة آدم :
والسؤال الآخر هو عن خطيئة آدم وغوايته وعصيانه « . . . وَعَصَى آدَمْ رَبّهُ فَغَوَى »(٢) . إذ دلت بعض الروايات على أنّ آدم كان نبيا ، وإن لم يذكر ذلك في القرآن الكريم ، والأنبياء معصومون من الذنب والزلل والغواية منذ بداية حياتهم .
ومع غض النظر عن الشك والمناقشة في صحة هذه الفرضيات : ( فرضية أن يكون آدم نبيا ) و( فرضية أن يكون الأنبياء معصومين من الذنب منذ بداية حياتهم ) ، يمكن أن نفسر جدّية هذه المخالفة والعصيان على أساس اتجاهين :
الاتجاه الأوّل : أن يكون النهي الإلهي هنا هو نهي ( إرشادي )(٣) اُريد منه الإرشاد إلى المفاسد الموجودة في أكل الشجرة، وليس نهيا ( مولويا ) يراد منه التحريك والطلب الجدي ، والمعصية المستحيلة على الأنبياء والتي توجب العقاب هي في الأوامر المولوية وليست الإرشادية .
- الكود:
-
(١) الأعراف ٤٤ . (٢) طـه : ١٢١ . (٣) تقسم الأوامر والنواهي في الشريعة إلى قسمين : مولوي وإرشادي . والمراد من ( المولوي ) : ما يصدر من المولى باعتباره مولى له حق الطاعة ، ويكون فيه إرادة جديدة للطلب والتحرك نحو المطلوب أو الزجر عن المنهي عنه ، كما في أوامر الصلاة والزكاة والجهاد والحج والنهي عن شرب الخمر والزنا والسرقة ، و ( الارشادي ) : هو الذي يكون للارشاد إلى المصلحة أو المفسدة ، كما في الأوامر والنواهي في موارد المعاملات غالبا ، حيث يكون ارشادا لبطلان المعاملة أو صحتها ، أو كما في أوامر الأطباء والمهندسين والعلماء التجربيين ، فإنّهم لا يستحقون الطاعة بما هم سادة ، واُولوا الأمر والولاية ، بل ؛ لأنّ متعلقات أوامرهم ونواهيهم فيها مصالح ومفاسد ، فعندما يأمر بشرب الدواء فهذا يعني : أنّ شرب الدواء فيه مصلحة ، وكذا عندما ينهي عن أكل شيءٍ فإنّه يعني : أنّ أكله فيه ضرر ومفسدة . الاتجاه الثاني : أن يكون النهي الإلهي هنا نهيا مولويا كما ـ هو الظاهر ـ وحينئذٍ فيفترض أنّ الأنبياء معصومون من الذنوب المتعلقة بالأوامر والنواهي التي يشتركون فيها مع الناس ، وأ مّا الأوامر والنواهي الخاصة بهم فلا يمتنع عليهم صدور الذنب بعصيانها ، وليسوا معصومين تجاهها ، وهذا النهي الذي صدر لآدم إنّما هو خاص به ، ولذا لم يحرم على ذريته من بعده أكل الشجرة .
ومن هنا نجد القرآن الكريم ينسب الظلم والذنب ـ أحيانا ـ لبعض الأنبياء باعتبار هذه الأوامر الخاصة ، كما حصل لموسى عليهالسلام : « قَالَ رَبيّ إنيّ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لي فَغَفَرَ لَهُ إنّهُ هُو الغَفُورُ الرَحِيم »(١) . مع أنّ قتل الفرعوني الظالم الكافر ليس ذنبا وحراما على الناس بشكل عام ، وإنّما كان حراما على موسى لخصوصية في وضعه .
ومن هنا ورد أنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين باعتبار أنّ لهم تكاليف خاصة بهم تتناسب مع مستوى الكمالات التي يتصفون بها .
وهذا التفسير للعصمة أمر عرفي قائم في فهم العقلاء لمراتب الناس ، فبعض الاُمور هي من العلماء والفضلاء ذنب يؤاخذون عليه ، ولكنّه ليس كذلك بالنسبة إلى العامة من الناس ، وبعض الإنفاقات القليلة ذنب من الاغنياء يؤاخذون عليها ، وليست كذلك بالنسبة إلى الفقراء .
- الكود:
-
(١) القصص : ١٦ .
الجانب الثاني : التصور العام لمسيرة الخلافة وهنا نشير إلى تصورين :
التصور الأوّل : ما ذكره العلاّمة الطباطبائي قدسسره في الميزان ، حيث يفترض أنّ هذه المسيرة بدأت من وضع آدم وزوجه في الجنة من أجل أن ينتقل إلى الأرض بعد ذلك ، وكان لا بدّ له من التعرض إلى المعصية من أجل أن يتحقّق هذا النزول إلى الأرض؛ إذ لا يمكن أن يحصل على التكامل الإنساني الذي يؤهله لهذه الخلافة ما لم يتعرض إلى المعصية والنزول إلى الأرض بعد ذلك.
وذلك لأنّ تكامل الإنسان إنّما يحصل من خلال توفر عنصرين وعاملين أساسيين :
أحدهما : شعور الإنسان بالفقر والحاجة والمسكنة والذلة ، أو بتعبير آخر شعور الإنسان بالعبودية للّه ـ تعالى ـ الذي يدفعه للحركة والتوجه إلى اللّه تعالى والمصير إليه .
والآخر : هو عفو اللّه تعالى ورضوانه ورحمته وتوفيقه لهذا الإنسان ، وإمداده بالعطاء والفضل الإلهي .
فشعور الإنسان بالحاجة يجعله يتحرك لسد هذه الحاجة ، والفضل والعطاء الإلهي هو الذي يحقق الغنى النسبي للإنسان ، ويسد النقص والحاجات لدى هذا الإنسان فيتكامل .
وإذا لم يشعر الإنسان بالحاجة فلا يسعى إلى الكمال حتى لو كان محتاجا في واقع الحال ، وإذا لم يتفضل اللّه على هذا الإنسان بالعفو والرحمة والعطاء يبقى هذا الإنسان ناقصا ومتخلفا في حركته . وما ذكر في قِصّة آدم إنّما يمثل هذين الأمرين معا .
فلو لم ينزل الإنسان إلى الأرض لا يشعر بالحاجة ؛ إذ كان يعيش في الجنة يأكل ويشرب بدون تعب أو عناء ، فطبيعة هذه الجنة : « اِنّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرَى * وَأ نّك لا تَظْمَأ فِيها وَلا تَضْحَى »(١) .ولو لم تصدر من آدم المعصية فلا يمكن أن يحصل على تلك الدرجات العالية من الرحمة والمغفرة التي حصل عليها الإنسان في حالات الرجوع والتوبة ؛ إذ يفترض العلاّمة الطباطبائي وجود درجات من الرحمة والمغفرة مرهونة بالتوبة والانابة ، قال :
« فللّه ـ تعالى ـ صفات من عفو ومغفرة وتوبة وستر وفضل ورأفة ورحمة لا ينالها إلا المذنبون . . . فهذه التوبة هي التي استدعت تشريع الطريق الذي يتوقع سلوكه ، وتنظيف المنزل الذي يرجى سكونه ، فوراءها تشريع الدين وتقويم الملة »(٢) .
فالقصّة وراءها قضاءان قضاهما اللّه تعالى في آدم :
القضاء الأوّل : الهبوط والخروج من الجنة والاستقرار على الأرض وحياة الشقاء فيها ، وهذا القضاء لازم حتمي لأكل الشجرة حيث بدت سوآتهما ، وظهور السوءة لا يناسب حياة الجنة ، بل الحياة الأرضية ، ومن هنا كان إخراجهما من الجنة بعد العفو عنهما ، ولولا ذلك لكان مقتضى العفو هو بقاؤهما في الجنة .
- الكود:
-
(١) طـه : ١١٨ ـ ١١٩ . (٢) تفسير الميزان ١ : ١٣٤ ، طبعة جماعة المدرسين ـ قم . القضاء الثاني : إكرام آدم بالتوبة ؛ إذ طيّب اللّه ـ تعالى ـ بها الحياة الأرضية التي هي شقاءٌ وعناءٌ ، وبها ترتبت الهداية إلى العبودية الحقيقية ، فتآلفت الحياة من حياة أرضية وحياة سماوية(١) .
فنزول آدم إلى الأرض وإن كان فيه ظلم للنفس وشقاء ، إلاّ أ نّه هيأ لنفسه بنزوله درجة من السعادة ومنزلة من الكمال ما كان ينالها لو لم ينزل ، وكذلك ما كان ينالها لو نزل من غير خطيئة .
التصور الثاني : ما ذكره اُستاذنا الشهيد الصدر قدسسره : أنّ اللّه ـ سبحانه ـ قدّر لآدم ـ الذي يمثل أصل الجنس البشري ـ أن يمرّ بدور الحضانة التي يمرّ بها كلّ طفل ؛ ليتعلم الحياة وتجاربها ، فكانت هذه الجنة الأرضية التي وجدت من أجل تربية الإحساس الخلقي لدى الإنسان والشعور بالمسؤولية وتعميقه من خلال امتحانه بما يوحيه إليه من تكاليف وأوامر .
وقد كان النهي عن تناول الشجرة هو أوّل تكليف يوجه إلى هذا الخليفة ؛ ليتحكم في نزواته وشهواته ، فيتكامل بذلك ، ولا ينساق مع غريزة الحرص وشهوة حب الدنيا التي كانت الأساس لكلّ ما يشهده مسرح التأريخ الإنساني من ألوان الاستغلال والصراع .
وقد كانت المعصية التي ارتكبها آدم هي العامل الذي يولد في نفسه الإحساس بالمسؤولية من خلال مشاعر الندم ، فتكامل وعيه بهذا الإحساس ، في الوقت الذي كانت قد نضجت لديه خبرات الحياة من خلال وجوده في الجنة .
وكان الهدى الإلهي يتمثل بخط الشهادة ، وهو الوحي الإلهي الذي يتحمل مسؤوليته الأنبياء لهداية البشرية .
- الكود:
-
(١) المصدر نفسه . وبذلك تتكامل المسيرة البشرية ، ويتطور الإنسان ، ويسمو على المخلوقات من خلال التعليم الرباني والهدى الإلهي الذي يجسده شهيد رباني معصوم من الذنب يحمله إلى الناس من أجل تحصينهم من الضلال « . . . فَإمّا يَأتِيَنّكُمْ مِنيّ هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ »(١) .ويمكن أن نشير في نهاية هذا العرض لهذين التصورين إلى عدّة ملاحظات :
الملاحظة الاولى : أ نّه يمكن تكميل الصورة : بأنّ الإسكان في الجنة في الوقت الذي يمثل مرحلة الاعداد والتهيؤ يعبر في نفس الوقت عن هدف إلهي ، وهو : أنّ مقتضى الرحمة الإلهية بالإنسان هو أن يعيش حياة الاستقرار والسعادة بعيدا عن الشقاء ، وأنّ مسيرة الشقاء إنّما هي اختيار الإنسان ؛ ولذا بدأ اللّه ـ تعالى ـ حياة الإنسان بالجنة ، وشمله برحمته الواسعة من خلال التوبة والسداد الإلهي بالهدى الذي أنزله على الأنبياء .
كما أنّ الخطيئة هي التي فجّرت في الإنسان ـ إضافة إلى احساسه بالمسؤولية ـ ادراكه للحسن والقبح والخير والشر ، ولعلّ هذا هو الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى :
« . . . فَبَدَتْ لَـهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَان عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنّة . . . »(٢) .
وكان هذا الإدراك ضروريا للإنسان من أجل أن يكون قادرا على مواجهة مشكلات الحياة ، وألوان الصراع فيها ، وتمييز الحقّ من الباطل ، والخير من الشر ، والمصلحة من المضرة ، ويخلق فيه حالة التوازن الروحي والنفسي في مقابل ضغوط الشهوات والغرائز .
- الكود:
-
(١) البقرة : ٣٨ . (٢) طـه : ١٢١ . وقد كان من الممكن أن يحصل هذا الإدراك من خلال الحضانة الطويلة والتجربة الذاتية في حياته في الجنة ، ولعل هذا هو الهدف من وضعه في الجنة ؛ ليمر بهذه الحضانة الطويلة ، كما يحصل للإنسان في تجاربه في الطفولة ؛ إذ تنمو فيه هذه المعرفة تدريجا ، ولكن كان هناك طريق أقصر محفوف بالمخاطر وبالخطيئة والذنب .
ولم يكن اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ ليختار للإنسان طريق الخطيئة بالرغم من قصره ؛ لأ نّه طريق خطير ، ولكن عندما اختار الإنسان ذلك ، وأصبح يدرك هذه الحقائق صار مؤهلاً للبدء في الحياة الدنيا .
وقد فتح اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ أمامه باب التوبة والرجوع إليه ، ليتمكن الإنسان من مواصلة طريقه عندما يضعف ويقع في الخطيئة ، وبذلك يتكامل عندما يكون قادرا على التغلب على شهواته والسيطرة على رغباته .
الملاحظة الثانية : أنّ العلاّمة الطباطبائي لم يوضح دور الخطيئة في معرفة السوءات ، كما لم يوضح عدم انسجام السوءات مع حياة الجنة ، ولعلّه يريد من دور الخطيئة في معرفة السوءات ما أشرنا إليه من دورها في الإحساس الخلقي للإنسان في إدراكه للحسن والقبح ، وكذلك لأنّ حياة الجنة يراها حياة طاهرة ونظيفة لا تنسجم مع السوءات ، وهو معنى عرفاني حيث لم يشر القرآن الكريم إلى أنّ آدم عليهالسلام لم تكن لديه سوءة قبل الخطيئة ، أو أ نّها وجدت بعد الخطيئة ، وإنّما أشار إلى أنّ إدراكه للسوءة إنّما كان بعد الخطيئة والذنب .
الملاحظة الثالثة : أنّ الشهيد الصدر قدسسره لم يذكر في تكوّن مسار الخلافة على الأرض دور التوبة في هذا المسار ، مع أنّ التوبة لها دور أساس يمكن من خلاله أن يستأنف الإنسان عمله وتجربته في هذه الحياة ، ويصعد بسببها في مدارج الكمال.
الملاحظة الرابعة : أنّ الكمالات الإنسانية يمكن أن نتصورها بدون خطيئة ، ويتكامل فيها الإنسان من خلال الطاعة والإحساس بالعبودية للّه سبحانه وتعالى ، إلاّ إذا كان مقصوده من الخطيئة ليس مجرد المخالفة ، وإنّما اّحساس الإنسان بالحاجة والتقصير في حق اللّه تعالى وشكره لنعمه ، الأمر الذي يدفعه إلى الاستزادة من الأعمال الصالحة والرجوع إلى اللّه تعالى والإنابة إليه .
الملاحظة الخامسة : أنّ العلاّمة الطباطبائي قدسسره تصور أنّ الجنة سماوية ، والشهيد الصدر قدسسره تصورها أرضية(١)، وهذا التصور الثاني في الوقت الذي ينسجم مع بعض الروايات ، يتوافق ـ أيضا ـ مع فرضية خلق الإنسان للأرض ، واللّه سبحانه أعلم .
- الكود:
-
(١) الإسلام يقود الحياة : ١٥٢ ـ ١٥٣ . ================ | |
|